المؤلف هو العلامة محمد بن علي السنوسي مؤسس الحركة السنوسية الإصلاحية التي عملت على نشر التعاليم الإسلامية في ليبيا , والدعوة إلى الإسلام في أفريقيا, ومقاومة الاستعمار. و قد " قامت علي إصلاح النمط المعيشي للمسلمين , مرتكزة على أسس الدين الحنيف , مع بعث نخوة ذاتية و نعرة وجدانية تسعي إلى تحرير المجتمع الإسلامي من ربقة ما علق به " (1).
ولد –رحمه الله- في مستغانم بالجزائر في السنة الثانية من القرن الثالث عشر الهجري(1202هـ.=1787م.). يتصل نسبه بالنبي-صلى الله عليه وسلم- وبينه وبين الحسن السبط –رضي الله عنه-واحد وثلاثون جدا. توفي أبوه وهو في الثانية من عمره, فكفله العلامة محمد السنوسي, وهو من أقاربه, فقرأ عليه القرآن, وأخذ عنه العلوم العربية والإسلامية, كما جاء في ترجمته بأول الكتاب(2). وأكمل تعليمه بمستغانم, ومازون, وفاس. فكان من العلماء الذين تلقى عنهم(3):
- محمد بن الكندوز
- محمد بن عبد القادر بن أبي زويلة
- عبد القادر بن عمور
- محمد بن علي بن الشارف
- محمد بن المهدي
- عمر بن الرقيق
- حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج
- الطيب بن كيران
- محمد بن منصور
- محمد بن عمر الزروالي
- محمد بن اليازغي
- إدريس بن زيان العراقي
تنقل في الصحراء الكبرى واعظا, وزار تونس, وطرابلس, وبرقة, ومصر, ومكة(4) وبها تلقى على العلامة أحمد بن إدريس, ثم خلفه في مجلسه حينما سافر الأخير إلى اليمن(5). و بنى زاوية بجبل أبي قبيس. ثم رحل إلى الجبل الأخضر, فبنى زاوية البيضاء, وكثر تلاميذه, فانتقل إلى الجغبوب وفيها بنى زاويتها, وبها توفي عام (1276ه. = 1859م.) بعد جهاد إصلاحي ودعوي في ليبيا دام نحو عشرين سنة. ألف –رحمه الله- نحو أربعين كتابا ورسالة اعتنت بطبعها جامعة السيد محمد بن علي السنوسي الإسلامية التي أسسها حفيده السيد محمد إدريس بن المهدي السنوسي ملك ليبيا(1951-1969م.) رحمه الله تعالى. ومنها ما جاء بآخر الكتاب:
- المسائل العشر المسمى: بغية المقاصد في خلاصة المراصد (ط)
- السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين المتصلة بالنبي- صلى الله عليه وسلم- بأسانيد صحيحة(ط)
- الدرر السنية في أخبار السلالة الإدريسية(ط)
- المسلسلات العشرة في الأحاديث النبوية(ط)
- المنهل الرائق في أسانيد العلوم وأصول الطرائق
- الشموس الشارقة في أسماء مشايخ المشارقة والمغاربة
- أول من ألف في فن الحديث
وذكر الزركلي في( الأعلام) (6) :
- شفاء الصدر (ط)
- الكواكب الدرية في أوائل الكتب الأثرية
وطبعة الكتاب التي بين يدي هي الطبعة الثالثة, طبعت بالمطبعة الليبية(1282ه.=1962م.) بعناية فائقة , وبخط نسخي دقيق. يقع الكتاب في مائة وبضع صفحات, من الحجم المتوسط, ويشتمل على: ترجمة للمؤلف تبين: نسبه, ومولده, وتلقيه العلم, وأجل من أخذ عنهم, ودعوته, ووفاته, ومنزلته العلمية, ونظمه, ثم خطبة للكتاب, ومقدمة(تمهيد) وثلاثة أبواب, وخاتمة.
يقول المؤلف في خطبة الكتاب" فهذه تحفة منيفة, ودرة ثمينة شريفة, سميتها (إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن) وفيها: مقدمة( تمهيد) ومقصد , وخاتمة" (7) ويفصل ذلك على النحو الآتي:
- المقدمة في بيان جلالة مقدار الأئمة - رضي الله عنهم - والمقصد(صلب الكتاب): فيه ثلاثة أبواب.
- الباب الأول: في وجوب التمسك بالكتاب والسنة, وفيه فصول.
- الفصل الأول: في أن دلالة الكتاب والسنة واحدة.
- الفصل الثاني: في أدلة وجوب اتباعهما.
- الفصل الثالث: في العمل بالحديث, وفيه ثلاث طرق.
- الأولى: طريقة الأصوليين-الثانية: طريقة المحدثين-الثالثة: طريقة الفقهاء.
- الباب الثاني: في الاجتهاد , وفيه مقدمة (تمهيد)وثلاثة فصول.
- المقدمة ( التمهيد): في بيان حقيقته.
- الفصل الأول: فيما يشترط في المجتهد من الشروط.
- الفصل الثاني: في تحريم الاجتهاد مع النص.
- الفصل الثالث: في رد زعم انقطاع الاجتهاد, ودعوى أنه إجماع.
- الباب الثالث: في التقليد, وفيه ثلاثة فصول.
- الفصل الأول: في إبطال المذموم منه.
- الفصل الثاني: فيما للعلماء في انحصاره في الأئمة الأربعة.
- الفصل الثالث :في الفرق بين الاتباع والتقليد.
- الخاتمة: في سند أهل الله, وسبيل عملهم , وسيرهم إلى الله.
وقد جاءت المقدمة في واحدة وعشرين صفحة, وافية بالغرض في بيان علو منزلة أئمة الإسلام" فعلماؤهم(يعني: علماء المسلمين) خيارهم, فإنهم خلفاء الرسول في أمته, والمحيون لما مات من سنته. بهم قام الكتاب وقاموا به, وبهم نطق, وبأسراره نطقوا, كل بحسبه, فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن أحدا من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما يتعمد مخالفة الرسول –صلى الله عليه وسلم-في شيء من سنته, جل أو دق...فإذا وجد لأحد منهم قول صح الحديث بخلافه, فلا بد له من عذر"(8) ومضى يبين هذه الأعذار, ويستشهد لها, مثنيا على أئمة الإسلام, محتجا بأقوالهم في الحرص على متابعة رسول الله-صلى الله عليه وسلم.
ويقول المؤلف في الباب الأول الذي يقع في ثماني عشرة صفحة, في بيان وجوب التمسك بالكتاب والسنة أنه:" أمر الكتاب المبين, وصدع النبي الأمين. وأجمع كافة المسلمين على مشروعية اتباع الكتاب والسنة, ووجوب العمل بهما وجوبا مؤكدا أشد التأكيد, إذ منهما تفرعت جميع الواجبات, بل وغيرها..." (9)
ويقول في أن دلالة الكتاب والسنة واحدة:" ليست السنة إلا مجرد بيان للقرآن... فالنبي –صلى الله عليه وسلم- هو المعبر عن القرآن, الدال على معانيه بما علمه الله, فكانت أقواله, وأفعاله, وتقريراته كلها وحيا. دليل الأقوال من الكتاب:" وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"(النجم3,4). ودليل الكل: " إن أتبع إلا ما يوحى إلي"(يونس:15) " لتبين للناس ما نزل إليهم"(النحل:44) "وإنك لتهدي إلى صرط مستقيم صراط الله"(الشورى:49) "إن الحكم إلا لله"(يونس:40, 67" ولا يشرك في حكمه أحدا"(الكهف:26) "إن عليك إلا البلاغ" (الشورى:45 ) إلى غيرها, ففرض عليه بيانه, وأمره باتباعه " فاستمسك بالذي أوحي إليك"(الزخرف:42)" وأن احكم بينهم بما أنزل الله"(المائدة:51) " لتحكم بين الناس بما أراك الله"(النساء:104)ونحوها. وأعلمه أنه أكمل لعباده الدين" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي"(المائدة:4) ثم من الله عليهم بما آتاهم من العلم وأمرهم بالاقتصار عليه, وأن لا يقولوا عليه غيره" ولا تقف ما ليس لك به علم"(الإسراء:36)"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم"(الأعراف:2) "ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون"(البقرة:168,167) إلى غيرها مما يطول, وفي واحدة كفاية. ومن السنة أحاديث, منها ما رواه جابرمرفوعا:" يوشك بأحدكم يقول: هذا كتاب الله, ما كان فيه من حلال أحللناه,وما كان فيه من حرام حرمناه. ألا من بلغه عني حديث فكذب به فقد كذب الله ورسوله"(10) والذي حدثه ومثله بمعناه حديث المقدام بن معد يكرب وفيه:" وإن ما حرم رسول الله-صلى الله عليه وسلم- مثل الذي حرم الله "(11) وحديث: " ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا و قد أمرتكم به , ولا تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه "(12)(13)
وفي الباب الثاني الذي يقع في نحو سبعة عشر صفحة يتناول مسألة الاجتهاد, ويقسمه على النحو المبين في الشكل التالي:
ويبين أن شروط الاجتهاد نوعان(14):
شروط وصفية قائمة بالمجتهد, وهي ستة: ثلاثة جبلية خلقية, وهي: البلوغ, والعقل, وفقاهة النفس, بمعنى شدة الفهم لمقاصد الكلام طبعا. وثلاثة كسبية, وهي: كونه عارفا بالدليل العقلي, وعارفا من الكتاب والسنة بمتعلق الأحكام
( آيات الأحكام وأحاديثها) وعارفا بالقدر المحتاج إليه من العلوم اللسانية, وعلم الأصول. وشروط إيقاعية, محققة لإيقاعه على الوجه المعتبر, وهي ستة أيضا: معرفة مواقع الإجماع, ومعرفة أسباب النزول وورود الحديث, ومعرفة الناسخ والمنسوخ, ومعرفة أنواع الأحاديث من متواتر وآحاد, من صحيح وحسن وضعيف وغيرها, ومعرفة حال الرواة جرحا وتعديلا وما يتعلق بهما, والبحث عن المعارض, والمراد به: التمسك بالعام قبل علم المخصص مخصصه, أو المطلق قبل علم مقيده. ويورد قول البرزلي:" وظاهر ما ذكره ابن رشد في صفة المفتي أن الاجتهاد لم يزل قائما"(15)
ويذكر أن :" من قال فيما لا يدري برأيه, أو رأي غيره كائنا من كان , فقد حكم بغير ما أنزل الله. فقد سمى الله-سبحانه- الحكم بما أنزل الله حكم الطاغوت, ومن موارده الشيطان, كما بين ذلك بقوله:" يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا" (النساء:59)"(16).
وفي الباب الثالث الواقع في نحو خمس وثلاثين صفحة يتناول المسألة المقابلة للاجتهاد, وهي : التقليد. ويورد قولا لابن عبد البر:" قال أهل العلم والنظر: حد العلم التمييز, وإدراك العلم على ما هو به, فمن بان له شيء فقد علمه. قالوا: والمقلد لا علم له, ولم يختلفوا في ذلك"(17) واستأنس بقول البحتري:
عرف العالمون فضلك بالعل م وقال الجهال بالتقليد (18)
ويفرق بينه وبين الاتباع برواية قول عن ابن خويزمنداد المالكي:" التقليد الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه, وذلك ممنوع منه في الشريعة. والاتباع ما ثبتت عليه حجة"(19)
وفي الخاتمة أورد أقوال العلماء العاملين في تجنب الابتداع, وحذر من التنكر لهم. ويتسم أسلوب المؤلف - رحمه الله- بوجازة العبارة, وقوة الأسلوب, ووضوحه. وهو يستدل بمصادر أصولية و فقهية و حديثية كثيرة, ينقل عنها, ويختم النقل على طريقة الأقدمين بالرمز(اه) الذي يعني الفعل (انتهى)دلالة على انتهاء الكلام, وقد يعلق عليها بإيجاز. وإحالات النص المطبوع لا تتجاوز أصابع اليد , كما يخلو من تخريج الآيات والأحاديث, ولذا أقترح على الباحثين, خصوصا من هم بجامعة السيد محمد بن علي السنوسي الإسلامية في عهدها الجديد أن يلتمسوا الأصول المخطوطة للكتاب لإعادة تحقيقه تحقيقا علميا, واعتماد النص المطبوع نسخة أصلية يتم الرجوع إليها, ويقدموا سيرة هذا العالم المجتهد إلى القراء كاملة غير منقوصة بما يتاح لهم اليوم من وسائل المعرفة الوفيرة.
(1) ليبيا انبعاث أمة .. و سقوط دولة : مصطفي أحمد بن حليم , ط منشورات الجمل , ص.19
(2) ص 3
(3) ص. 3 - 4
(4) الأعلام : خير الدين الزركلي , ط . 5 دار العلم للملايين , ص. 299
(5) إيقاظ الوسنان , ص. 4
(6) ص 299
(7) ص. 6
(8) ص.8
(9) ص.27
(10) جامع الأحاديث للإمام السيوطي (2782) – جامع بيان العلم وفضله للإمام القرطبي( 1227) جامع الجوامع للإمام السيوطي (11468)
(11) جامع بيان العلم وفضله للإمام القرطبي( 1230)
(12) جامع البيان للإمام السيوطي (19965)
(13) ص 27-2
(14) ص 50 , 51 , 52
(15) ص 51
(16) ص 56
(17) ص 88
(18) دواوين الشعر العربي علي مر العصور , رقم القصيدة 2508
(19) ص 88