تعيش, هذه الأيام, ليبيا الحرة, وفي عهدها الجديد, أوقاتا مباركة مع أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته, كما ورد في الحديث الصحيح. جاءوا إليها من كل حدب وصوب ليحيوا قلوبنا بالقرآن العظيم, وما فيه من الآيات والذكر الحكيم, وليمتعونا بجميل أصواتهم, وجيد أدائهم, عاملين بقول الله-تعالى- في سورة (المطففين:26 ):" وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " . وبالتنافس الشريف تكتشف المواهب والكفاءات, وتبدع العقول النيرة في كل المجالات. فنسأل الله –تعالى- لنا ولهم التوفيق.
وجدير بوزارة الأوقاف أن تلتفت إلى ميدان آخر هو من أهم ميادينها الذي تخدم من خلاله الإسلام والمسلمين, واللغة العربية التي هي إحدى اللغات العالمية, ولغة القرآن الكريم. وأعني به ميدان الخطابة التي هي شرط من شروط صلاة الجمعة الأسبوعية, وتسن مع بعض الصلوات الأخرى كالعيدين والاستسقاء. وفيها تفنن العرب قديما, قبل الإسلام, ونبغ فيها خطباؤهم كقس بن ساعدة الإيادي.
إننا نرنو بأبصارنا إلى أن تشهد ليبيا وغيرها من البلاد العربية والإسلامية هذا النوع من التنافس الذي لا أعلم أحدا سبق إلى الدعوة إليه. إن لمسابقات الخطابة فوائد جمة , ومنافع لا تحصى. بها تزيد دائرة انتشار العربية اتساعا , ويزداد إقبال محبيها على التفنن فيها, والإبداع في أساليبها. وبها يعمل غير المجيدين للخطابة من الخطباء إلى تحسين مستوياتهم, أو ترك المجال للشباب اليافع الطموح إلى صعود المنابر وحمل رسالة الإسلام وتبليغها للناس بنجاح.
ففي الخطابة تفنن النبي –صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون, ومن جاء من بعدهم من خلفاء الإسلام , وعلمائه, ودعاته, وقادته-رضي الله عنهم جميعا-فأبدعوا في الإقناع, والتأثير في النفوس, ونشر لواء الإسلام في المشارق والمغارب. وفي الإسلام اشتهرت خطب بليغة مؤثرة كخطبة النبي –صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة في حجة الوداع, وخطبة أمير المؤمنين أبي بكر الصديق-رضي الله عنه- حين ولي الخلافة, وخطبة طارق بن زياد-رحمه الله تعالى- في فتح الأندلس. وتعظيما للخطابة ورفعة لشأن الخطيب, أمر الشرع الشريف بالإقبال على الخطيب بكل الحواس, وعدم الانشغال عن سماعه, ولو بتحريك الحصى, أو بمحادثة المجاور, بل ذم الله-سبحانه وتعالى- صنيع قوم انصرفوا عن سماع الخطبة بقوله –عز من قائل- في سورة (الجمعة:11):" وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين" صدق الله العظيم.