الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه:
خُدع الليبيون منذ خمسين سنة تقريبا - وهم الشعب العفيف الطاهر اليد واللسان- بطاغية لم يعرفوا له نسبا، تمكن من رقابهم، ففرق جمعهم، وشتت كلمتهم، وسلب أموالهم ، وبددها فيما بشبع هواه وغروره وشروره، وانتهك حرماتهم، وسلطهم على بعضهم، واستعملهم في العدوان على جيرانهم، والبطش بمن يخاصمه ويقاومه ليبياً كان أو أجنبياً.
وهو لم يفعل ذلك بعبقرية تفرد بها، أو قدرات خارقة تميز بها، ولكن بمَرَدة من طينته، وسفَلَة على شاكلته، رأوا في إشباع غُروره، واتباع خطوات غَروره، وترويج كفره وجهله طريقا سهلا لنيل بعض فتاته ممزوجا بلحوم السجناء، ودماء الشهداء، ودموع الأبرياء، فعَذّبوا وقَتّلوا وشَرّدوا ونهبوا واغتصبوا، ومزقوا الأجساد، وعلقوا الرجال على الأعواد إرضاء لسيدهم، وصاحب منهوب نعمتهم، وهم في غيهم سادرون ، وفي الفجور والمعاصي منغمسون، واليتامى يتضورون،والأرامل والثكالى يبكين ويدعون، والقائمون والصائمون والطائفون لله يتضرعون بهلاكه، ويرجون ساعة الخلاص من شره وزوره وبهتانه وزوال ملكه، فلما تم لهم ذلك، والحمد لله، إذ الأبطال الأحرار ينسحبون من ميادين العمل والجهاد، ويفسحون المجالات للخانعين والطامعين ليدخُلوها من أوسع أبوابها، ويفتكوا الدولة من أصحابها وأحق الناس بها، ويناوئوا القضاء والشريعة بالكيد والعدوان، وينهبوا الأموال، ويودعوا الأحرار الشرفاء السجون، ويلقوا جثث القتلى الأبرياء الأنقياء الأتقياء المعذَّبين حتى الموت ببشاعة في مكبات القمامة، مستعينين في ذلك بطغاة آخرين، وكافرين جاحدين، وأدعياء للخلافة والدين، فمن للصادقين المرابطين والمعذبين والمحاصرين والنازحين والمحرومين غير رب العالمين، والانتباه من الغفلة، وجمع الكلمة والتوحد ، ورص الصفوف المأمور به شرعا، فالله يقول من فوق سبع سموت في سورة (الصف:4):" إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص" ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.